انتفاضة تشرين وشباب العراق
نشر المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تيشام هاوس) دراسة عن أوضاع الشباب في العراق، بمناسبة الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين، ذكر فيها بأنه وعلى مدى العقدين الماضيين، لم تحقق كل المبادرات الوطنية والدولية، ولا موجات الحركات الاحتجاجية، تخفيفاً جدياً في الظلم الذي يعيشه شبابنا ولاسيما في الحصول على فرص العمل التي تناسب تخصصاتهم، والمشاركة النشيطة في الحكم والإدارة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
شركاء لا تابعون
وذكرت الدراسة بأن لا أحد، داخل الوطن ومن خارجه، تعامل مع الشباب كشركاء حقيقيين، قادرين على قيادة المبادرات والتأثير على القرارات الإستراتيجية. فالحكومات العراقية المتعاقبة التي خصّت الشباب بالعديد من المبادرات مثل مجالس الشباب والبرلمانات، نظرت لهم دوماً كمجموعة واحدة، عليها أن تنسجم مع المصالح الإدارية والسياسية الواسعة لهذه الحكومات والقائمين عليها. كما انتظرت الجهات الدولية الداعمة، من الشباب التعامل بإيجابية مع الأولويات المحددة مسبقًا للمانحين، مقابل تلقي المساعدات أو التمويل.
انتفاضة تشرين
وبينت الدراسة بأن مشكلة نقص الخدمات للشباب في البلاد حادة، خاصة مع ارتفاع نسبة النمو السكاني التي تبلغ 2.2 في المائة والتي بات معها أكثر من 60 في المائة من سكان العراق دون سن 25 عاماً. ولهذا كان بديهياً أن يكون الشباب من أكبر المجموعات التي شاركت في الاحتجاجات الجماهيرية منذ عام 2011. وأشارت الدراسة إلى أن انتفاضة تشرين مثلت لحظة تحولية في حياة العديد من الشباب العراقيين، حيث قدمت لهم رؤية لما يمكن أن يكون عليه العراق البديل، وزادتهم ثقة بالنفس حين أجبرت الحكومة على الإستقالة وعدّلت قانون الانتخابات للسماح بإجراء انتخابات مبكرة وفتحت أفقاً جيداً للتغيير، حفّز الكثيرين على مواصلة العمل من أجل الإصلاح في حياتهم اليومية، حتى بعد القمع العنيف للإحتجاجات.
تحدٍ رغم الخسائر
وبينت الدراسة بأن عدم تحقيق الإحتجاجات لأهدافها المباشرة، لا يعني عدم جدواها، فإمعان التفكير في نتائجها غير المباشرة، سيرينا تطور فعالية الشباب في المجتمع واهتمامهم بالنشاط السياسي وريادة الأعمال وحركات المجتمع المدني وبالتالي مساهماتهم الجادة في التغيير البناء للعملية السياسية والنشاط الاقتصادي والتطور الاجتماعي بما في ذلك قضايا حقوق المرأة وحقوق الإنسان والدفاع عن البيئة ومراقبة تغير المناخ، إضافة إلى تحسن القدرة على تحدي الخطوط الحمراء وهياكل البيروقراطية والأعراف القائمة.
ولم يتفق الباحث مع مزاعم المحللين من صعوبة قيام حركة احتجاجية جماهيرية أخرى في الشوارع في المستقبل القريب، ليس أقلها بسبب القمع الوحشي الذي مارسته السلطات والذي أدى إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر والاستيلاء على زخم الاحتجاجات، مؤكداً على أن انكماش المجتمع المدني لا ينبغي أن يُفسر وكأن الشباب أقل خيبة أمل في البنية التحتية السياسية والاجتماعية لبلادهم الآن أو أن رغبتهم في التغيير، قد تراجعت، فالمثل العليا المناهضة لمنظومة الحكم والداعية للتغيير، والتي غرستها في وعي الشباب حركة تشرين، تجعلهم اليوم أقل قبولًا للوضع الراهن وأكثر طموحاً بتغييره مما كانوا عليه في 2019.
الجمر المتقد
وأكدت الدراسة على أن الجيل الحالي - سواء أولئك الذين انضموا إلى الاحتجاجات أو دعموها قبل خمس سنوات، والشباب الذين استلهموا من إرث تشرين - يتجهون إلى ما يمكن تسميته بالأشكال غير التقليدية للتعبير السياسي والمشاركة، خاصة وإن ذاكرة معظمهم تخلو من مآسي القمع إبان حكم صدام حسين وتكونت في ظروف ما بعد عا 2003، وخاصة من المشاكل المباشرة التي كانت وراء احتجاجات تشرين. واستنتجت الدراسة بأن هناك تحولاً استراتيجياً في النهج، ولد كاستجابة للمخاطر العالية المرتبطة بقمع السلطة، فأبدل المواجهة المباشرة بما يسمى "المقاومة البناءة"، التي وصفها الباحث بأي جهد إبداعي معارض، جماعياً كان أو حتى فردياً، يتحدى بشكل خفي أو علني، قمع الدولة أو هيمنة الشركات أو المعايير التسلطية، بشكل ملموس أو حتى حسي يثير الإلهام ويعمل على إسقاط الخطوط الحمراء والبيروقراطية والحواجز التي أنشأها النظام السياسي الحالي ويدعمها، ويقاوم الظلم ويخلق الحلول للوصول إلى التغيير المنشود.