تشهد أسعار الوحدات السكنية في محافظة البصرة ارتفاعًا كبيرًا، حيث لا يقل سعر المنزل بمساحة 200 متر مربع، والذي يتكون من طابق ونصف عن 400 مليون دينار. بينما وصلت أسعار بعض المنازل الفاخرة «الفلل»، إلى مليار دينار.
ويحدد مراقبون ثلاثة أسباب رئيسة وراء هذا الارتفاع الحاد في أسعار العقارات، أبرزها الفساد المستشري في مختلف القطاعات.
مبررات الأسعار الخيالية؟
وكشفت رئيس لجنة الاستثمار في مجلس محافظة البصرة أطياف التميمي، عن مساعي المجلس لاستجواب رئيس هيئة الاستثمار علي عبد الحسين، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الوحدات السكنية.
وقالت التميمي في بيان لها، أن «الأرض تمنح بشبه المجان إلى المستثمر فلماذا هذه الأسعار؟»، مبينة ان «البناء في تلك المجمعات لا يرتقي إلى مستوى عال من ناحية الرصانة وغيرها».
وأضافت، ان «المجمعات السكنية في البصرة لا يستطيع شراءها الا أصحاب الدخل المرتفع، وبالتالي نريد أن نعرف ما هي مبررات الأسعار الخيالية لهذه الوحدات السكنية».
استثمار البصرة ترفض التعليق!
وتواصل مراسل «طريق الشعب» مع مسؤول الاعلام في هيئة الاستثمار في محافظة البصرة، للحديث عن المجمعات السكنية في المدينة، الا ان الأخير زعم أن الهيئة «علقت التصريحات الصحفية المتعلقة بالاستثمار في المجمعات السكنية في الوقت الراهن».
قلق
وعبّر الحقوقي والناشط المدني في محافظة البصرة زين العابدين البصري عن قلقه البالغ إزاء أوضاع الاستثمار في المجمعات السكنية وتأثيرها على أسعار العقارات في المحافظة.
وقال البصري لـ»طريق الشعب»، أن قضية الاستثمار في هذا القطاع تتسم بالتعقيد والاحتكار، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار العقارات، ويجعل من الصعب على المواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط الاستفادة منها.
وأضاف، أن «المجمعات السكنية ومساحة الاستثمار المتاحة فيها تحتكرها فئة معينة، حيث يتم منح الأراضي لأغراض الاستثمار العقاري الى أشخاص محددين أو الى رؤوس أموال كبيرة، ما زاد من صعوبة الوصول إلى سكن مناسب بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المحدود».
وأشار إلى أن «إنشاء هذه المجمعات السكنية كان يفترض أن يكون حلاً لأزمة السكن، خاصة للفئات الفقيرة والمستأجرين، عبر توفير وحدات سكنية بأقساط مريحة تتناسب مع مستوى المعيشة لعامة الناس، إلا أن ما حدث كان العكس تمامًا».
وأضاف، أن «هناك تباينًا واضحًا في مستويات الرفاهية التي توفرها هذه المجمعات»، مضيفا أن «الأراضي الممنوحة من قبل البلديات لغرض الاستثمار في هذه المجمعات تمنح لجهات معينة، والأخيرة تخصص المشروع لفئات مترفة ومتنعمة بالمال العام».
ورأى البصري، أن السيطرة على أسعار العقارات التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا نتيجة لهذا الاحتكار والجشع في الاستثمار العقاري، يبدو صعبا في ظل الوضع الحالي نتيجة لدخول شركات عملاقة ونفوذ سياسي كبير في سوق العقارات، الامر الذي زاد من معاناة المواطنين البسطاء، خاصة أولئك الذين يعيشون في العشوائيات أو المستأجرين من ذوي الدخل المحدود.
واختتم حديثه بالقول إنه «يجب على الدولة توفير سكن معقول ومناسب لهذه الفئات، بحيث يكون بإمكانهم تسديد أقساطه والعيش بكرامة، مثلما يحدث في بقية دول العالم»، منتقدا بشدة السياسات التي تدفع بهذه الفئات إلى البقاء في مناطق غير مناسبة أو تدفعهم إلى مواجهة أوضاع معيشية قاسية دون أي دعم حقيقي من الحكومة.
قضية شائكة!
قال الباحث السياسي في محافظة البصرة علي قاسم، ان قضية المجمعات السكنية «شائكة» ومعقدة، مشيرًا إلى أن «السبب الرئيس وراء هذه التعقيدات يعود إلى الفساد المستشري الذي يتجاوز حدود سيطرة هيئة الاستثمار أو الحكومة المحلية».
وأضاف قاسم لـ «طريق الشعب»، أن «معظم العقارات في المجمعات السكنية يتم حجزها وشراؤها من قبل متنفذين يسعون لإخفاء أموالهم التي تم الحصول عليها بطرق غير شرعية، وذلك عبر الاستثمار في العقارات».
وواصل أن «هؤلاء الفاسدين يلجؤون إلى شراء العقارات بأسماء أقاربهم وأفراد عائلاتهم، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على العقارات وارتفاع أسعارها»، مردفا أن «هذه المشكلة ليست محصورة بمحافظة البصرة، بل منتشرة في جميع أنحاء العراق».
وأكد انه يجري احتكار إنشاء المجمعات السكنية من قبل فئة معينة من الشركات أو المطورين، وهؤلاء هم من يحدد الأسعار في تلك المجمعات، وبالتالي فان غياب الرقابة الحكومية أسهم في تفاقم الأزمة، حيث أن أسعار العقارات تبقى مرتفعة بشكل كبير رغم التسهيلات الحكومية في استيراد المواد الإنشائية وإعفاءات الضرائب وتوفير الأراضي بأسعار رمزية.
وخلص الى أن هذه العوامل الثلاثة: الفساد، غياب الرقابة الحكومية، واحتكار تطوير المجمعات السكنية، أدت في النهاية إلى الارتفاع الكبير في أسعار العقارات.