في جميع بلدان العالم المتقدمة، نجد أنها تعتمد على البنية التحتية لمشاريعها الكبيرة، إذ أن البنية التحتية هي الأساس لتحقيق النهوض الحضاري، ومنها القطاع الرياضي. فقد تبين لنا أن المنشآت الرياضية، مثل الملاعب والقاعات والمضامير والأندية الرياضية وميادين الرماية، هي البداية أولاً، ومن ثم تتوالى المنشآت الرياضية الأخرى. لأنه لا توجد نشاطات ولا فعاليات قبل البدء بتحضير هذه المنشآت.
لكن ما نلاحظه في بلادنا هو الإهمال المتعمد في إنشاء البنى التحتية لكافة الرياضات، باستثناء كرة القدم، وكأن كرة القدم هي الرياضة الوحيدة التي يزاولها العراقيون. فلا توجد قاعات رياضية، ولا مضامير لألعاب القوى، ولا ملاعب كرة سلة مغلقة، ولا ملاعب للكرة الطائرة، ولا ملاعب للتنس، ولا حلبات للمصارعة أو الملاكمة... وهكذا. وعند الحديث عن هذا الموضوع، نجد العديد من الأشخاص يطالبون (وأنا منهم) بتحقيق إنجاز أولمبي أو عالمي.
هنا نقول لأحبائنا في الوسط الرياضي ولقادة الدولة: إن المطلوب، قبل الحديث عن نجاحات في الرياضة، هو إكمال المنشآت الرياضية التي تفتقر إليها بلادنا، والتي يجب أن تنتشر في المحافظات والمدن العراقية، لأنها ستساهم في صناعة أبطال الرياضة وأبنائها. فكيف لنا أن نطالب المبدعين بالإنجاز، ونحن نفتقر إلى الملاعب والميادين التي يتم فيها صنع الأبطال؟
إذاً، المطلوب منا هو التفكير في تحضير هذه المنشآت الرياضية، وبعدها يحق لنا أن نطالب بالإنجازات والإبداع. أما قبل ذلك، فلا. فهل يصح للحكومة أن تصرف عشرات المليارات على شراء لاعبي كرة القدم، بينما لدينا أمثالهم من اللاعبين المحليين، دون أن تفكر في صرف هذه المليارات لبناء قاعات رياضية في محافظاتنا ومدننا العزيزة؟ لماذا نتجه فقط نحو كرة القدم، دون التفكير في إنشاء أو تجديد بناء الأندية الرياضية التي يمكن أن تفيد عشرات الآلاف من الرياضيين وهواة الألعاب الرياضية؟
هل يصح، يا سادة، أن يبقى بلد نفطي غني وشبابه يتحسرون على منشآت رياضية حديثة ومتطورة؟ هنا أدعو دولة رئيس الوزراء ومستشاريه إلى أن يعطوا لكل الرياضة حقها، وبكل ألعابها، بدل اقتصار الاهتمام على كرة القدم وأنديتها وملاعبها، مع إهمال باقي الألعاب والملاعب.
لقد تسببت كرة القدم في كساد وتهميش بقية الألعاب، بل وغيابها عن الميدان. أنا هنا أطالب وزارة الشباب والرياضة بأن تؤدي دورها كاملاً في رعاية جميع الألعاب الرياضية، وخاصة في المؤسسات التابعة لها (مثل منتديات الشباب)، ورعاية المراكز الرياضية، والاهتمام بالأعمار المبكرة (الناشئين والأشبال)، لأن هؤلاء البراعم هم منطلق رياضتنا ومستقبلنا وأبطالنا القادمين.
يجب أن يكون عملنا الرياضي مخططاً ومبرمجاً بشكل علمي، لا يعتمد على "الصدفة"، وأن يشمل جميع الألعاب والرياضات. إن غياب المنشآت الرياضية، وبقاءها مقتصرة على لعبة واحدة هي كرة القدم، يعني بقاء الرياضة العراقية "عرجاء"، قاصرة ومشوهة، وغير قادرة على اللحاق برياضات العالم المتقدم، وهذا يبقينا متخلفين رياضياً، عاجزين عن تحقيق الإنجازات العالمية.
على الرغم من أن العديد من البلدان التي كانت خلفنا استطاعت أن تحقق الكثير من الإنجازات، إلا أننا لا زلنا نركض وراءهم، وكل ذلك بسبب السياسات الرياضية الخاطئة. وهنا أخاطب قادة الدولة والمؤسسات الحكومية المختصة بأن يعيدوا دراسة الواقع الرياضي، ويناقشوا هذا التخلف والمشاكل التي يعاني منها القطاع الرياضي، ويبحثوا في الأسباب التي أدت إلى تراجع الرياضة وفشلها. في حين أن الآخرين من الأشقاء ودول الجوار قطعوا أشواطاً هامة في النهوض الرياضي وتقدموا ونجحوا في خطواتهم الجريئة.
بينما ظل واقعنا الرياضي يراوح مكانه. وليس أمامنا إلا الحسرة والتأسف على ما فاتنا، رغم أن الدعم المادي للرياضة العراقية في أفضل مستوى، وأن الفعاليات الرياضية تتمتع بأعلى مستويات الدعم والمساندة. لكن العيب يكمن في التقصير في العمل الرياضي، حيث نرى أن الإخفاق والتراجع يعود إلى سوء القيادة الرياضية، وتفرقها إلى فرق وجماعات دون الاندفاع لمصلحة الوطن.