اخر الاخبار

ذات صيف وأنا أمشي في شارعنا والعرق يتصبّب من كل مساماتي كنت ادندن: (حبّيتك بالصيف، حبيّتك بالشتي ). في الجانب الاخر كان اطفال شبه عراة يلعبون بمياه آسنة وكأنهم في مسبح، وعلى البعد جلس عجوز يمسح وجهه ورأسه بمنديلٍ وهو يتذمّر من شدّة الحر، وهناك امرأة تمسك مروحة خوص تهفهف بالهواء يمينا وشمالا، ورضيع يبكي، وقطة تموء، ومراوح تشكو السكون!

مرضى، وعمّال بناء، وكلاب تلهث، واشجار تنوء بحملها، الكلّ في شغلٍ شاغل، والكلّ يتأفّف ويلعن، وينفث دخانَ حريقٍ اشتعل في قلبه!

والسبب الأكبر هو الفساد .. الفساد، الذي جعلنا نتحسّر على نسمة هواءٍ باردة في صيف لاهب، أو ضوء مصباح في ليلة حالكة الظلمة، أو دفءٍ نتّقي به زمهرير الشتاء، اضافة الى أزماتٍ عديدة أثقلت حياة الناس جميعاً في بلد من أغنى البلدان، حيث سُرقت الاحلام والأماني وما زالت تُسرق!

والكهرباء تبقى حلمنا المؤجّل دائما ..

حلم لم يكتمل بعد، فالسيناريو يحتاج الى لمساتٍ وطنيّةٍ، والاستوديوهات مغلقة بعد، والمخرج يحكي عن مأساة مياه شط العرب المالحة والملوّثة، واشجار الحناء التي ما انفكّت تعاني الظمأ، والكلّ في شغل شاغل!

شاغلهم الوحيد هو الكهرباء مثلما يقال، وصيفنا لاهب، لن يتحمّله الاّ الذين عجنوا من طين البصرة ــ من (دهلتها) تحديداً ــ وذاقوا اصناف العذاب طيلة السنوات الماضية. ولكن الى متى؟ الى متى؟ الى متى؟!

الكهرباء صارت مصدر قلق في البيت، في الشارع، في المستشفى، في المؤسسة الحكومية، في السوق، في المقهى، وفي المدرسة ايضاً !

اثنان وعشرون صيفاً مرّ، وما نسمع من تصريحات ناريّة قبل كل صيف يجعلنا نحلّق فوق سماوات السعادة والفرح، لكنّ الصيف يأتي والكهرباء على حالها في سباتٍ عميق!

مليارات الدولارات صُرِفت لتحسينها دون جدوى ..

اثنان وعشرون سنة ونحن نشتري الغاز والكهرباء من الجيران، فيما غازنا الطبيعي الذي يحترق يخلّف لنا أمراضاً فتّاكة وضرراً كبيراً على التربة والمزروعات من ناره المشتعلة ليل نهار!

اثنا وعشرون سنة والحال يسوء ويسوء ..

أتساءل ويتساءل معي الجميع : بعد التصريحات الاخيرة للرئيس الأمريكي وقراراته بمنع شرائنا الغاز والكهرباء من ايران، كيف سيكون حالنا في الصيف؟!

وحبّيتك بالصيف، حبّيتك بالشتي.

 بين الحبّ والحقيقة هواجس وخواطر ومتاعب وحكايات وآلام لا حصر لها!

عرض مقالات: