في رواية (السبيليات)، يرسم الروائي الكبير الراحل إسماعيل فهد إسماعيل لوحةً رائعةً لمفهوم الإصرار على شيء ما، وبالأخص التعلق بمطلب عام يخصّ الأرض والناس ومقاومة كل الأعاصير والعقبات التي تقف حائلاً دون تحقيق ما نصبو اليه حتى نصل الى ما نريد وبكل قوة وعزيمة. فعل ذلك من خلال تتبعه لحياة المرأة ذات العقد الخمسيني (أم قاسم) التي نزحت قسراً عند اشتعال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي من منطقة السبيليات الى احدى المحافظات، وبعد موت زوجها بسنتين عادت حاملة عظامه لتدفنها في بيتهم القديم وقريتهم وتعيش قربه، رغم معارضة الجيش آنذاك ومنعهم لها لكن إصرارها على البقاء رغم كل شيء تحت قلق القصف واحتمال الموت في أي لحظة وعملها على فتح قنوات الماء من الشطّ وتصليح ما خَرُبَ من الأراضي والبساتين وبعض حيطان البيوت وإعادة الحياة الى نخيل وأشجار قريتها «السبيليات» التي أعطت مثالاً رائعاً في حب الإنسان لأرضه وناسه وإصراره على بناء وتعمير كل شيء أفسدته الحرب..
تذكرت هذه الرواية واسترجعت فيها موقف أمي يرحمها الله التي أصرت على البقاء في بيتنا في الفاو عند اشتعال الحرب آنذاك لمدة سنة كاملة. مثلما أجد اليوم إصرار اخوتي في الاتحاد العام للأدباء والكتاب على تقديم كل ما هو جميل في مبادرات هي الأولى من نوعها عراقياً وعربياً وحتى عالميا، كمتحف الأدباء العراقيين الذي يضم بعض المقتنيات الخاصة لرموزنا الابداعية من شعراء وروائيين وقصّاصين، لتطّلع الأجيال على بعض مايخصّ الاسماء المبدعة الذين تعلّمنا منها الكثير ،كذلك مكتبة الفريد سمعان ،والانفتاح على الجميع بقلب ملؤه المحبّة للوطن والناس،، هذا العمل الذي أسّس ويؤسّس لمبادرات اخرى تصبّ في خدمة الحركة الثقافية ومبدعيها يؤكد ان الثقافة الحقيقية والحرص على ادامتها وتواصل الجميع، سوف تصلّح وترمّم ما نخره الفساد في جسد الوطن وحتماً سيكون الصوت عالياً ومشاركاً بقوة في كشف الزيف وكل شيء نُهِبَ دون وازع من ضمير من خلال صفقات فساد مشبوهة في الكثير من الأمور التي تركت البلاد والعباد نهباً للفقر والخراب والأمراض والدمار ونزيف الدم.. هذا الإصرار الذي يجسده المثقفون والأدباء المتعلّقون بعراقيتهم حدّ الموت ومثلما الشباب الابطال الذين ضحّوا ويضحّون بالغالي والنفيس دفاعاً عن الأرض والمقدّسات من خلال تطوعهم في القتال ضد عصابات داعش الإرهابيةحين دنّست اقدامها النجسة ارضنا، وتظاهراتهم التي هزّت عروش الفاسدين، والإصرار على كشف اللصوص والقتلة وتقديمهم الى العدالة وإعادة الحياة الحقيقية من خير وسعادة للناس والوطن..!
مادام هناك إصرارٌ على رسم مستقبل مشرق للعراق وعزمٌ قائم فأنا على يقين أنّ شمس المحبة ستشرق ويعمّ الخير والسلام والعدالة والإنسانية الحقّة كل ربوع أرضنا..ستنتهي الصراعات والمصالح الضيّقة، وستنتعش أرضنا ونفوسنا وتتحقق الآمال والأحلام بالخير والمحبّة مثلما تعمّرت أرض وبساتين «السبيليات» وأثمرت نخيلها وارتوت بماء المحبّة على يد وبعزيمة