اخر الاخبار

يداخلك الشعور بالألم والأسى، وأنت تقترب من “منازل العطراني”، فيخطر على البال وأنت تقرأ رواية “منازل العطراني” للدكتور جمال العتابي أنك عشت لحظات في زمن غابر، ولو لبرهة قصيرة في هذه المنازل، وشاركت محمد الخلف وأسرته معاناتهم وآلامهم. قد ترى جزءا من تاريخك يتماثل أمام عينيك ، وأنت تجوس هذه المنازل، حيث يأخذك الراوي في سرد شفاف هو أقرب إلى الوثائقية ليعكس في روايته أوجاع الوطن وآلام المنعطفات الحادة الأليمة التي اصطبغ كثير منها بالعنف والدم. وقد ساهم الخيال الذي استمد الكاتب مادته من الواقع المرّ لعكس الفواجع والأحزان التي مرّ بها العراق. فقد جسّد الراوي حياة وإحساسات ومشاعر محمد الخلف/ المعلم المفصول لأسباب سياسية والسجين الهارب من سجنه والملاحق أمنيا. فحياة الخلف، ماضيه وحاضره، وأسرته وتساؤلاته ورؤيته هي محور أحداث الرواية، التي عكست معاناته وأسرته باعتباره نموذجا للمناضلين الشرفاء المضحين من أجل مستقبل أفضل للوطن. تبدأ أحداث الرواية بهروب الخلف من السجن والبحث عن ملجأ للتخفي من ملاحقة انقلابيي 8 شباط 1963 وصولاً إلى تصوير مظاهر انهيار البلاد بعد الاحتلال الأمريكي في 2003  عبر 44 لوحة قلمية أشبه بالفصول بلا عنوانات. وانساب قلم الراوي بسلاسة وشفافية  بلغة جميلة، هي أقرب إلى الشعر في أكثر من موضع، ليسجل ملابسات لوحة تاريخية زاخرة بالأحداث وبالفشل وتلاشي الآمال بغد مشرق سعيد، وقد دفع محمد الخلف وأسرته ثمنا باهظا لهذه الخيبة، و نجح السارد في تصوير المعاناة المادية الحياتية والمعاناة النفسية لأسرة الخلف عبر حوار الخلف مع نفسه أو عبر حواره مع أفراد أسرته ومحيطه.

ولأن هناك ضغطا نفسيا هائلا على نفسية المعلم محمد الخلف وأسرته والمحيطين به من جراء الملاحقة والاختفاء والحياة السرية وفقدان الأمل، تطفح كلمات حارقة تعبيرا عن الخيبة والألم سواء في الحوار الداخلي مع النفس أو مع الآخرين يصل حد جلد الذات وطرح تساؤلات عن الأوضاع وما آلت إليه لتجسد انفجار بركان الغضب؛ “أهذا ما كنت تحلم به يا محمد؟” ص 40 و”أصبحت الأماني هباء يا محمد” ص 9 ولشدة الغيظ والإحساس القاهر بتوالي الخسائر والفواجع فإنه قد يصدر أحكاما  تبدو مطلقة، فيقول “لماذا هذا التوارث الأبدي للخسارات الدائمة” ص 15 ويقول أيضا “واللوم المترسب في داخلي يعيد إليّ الأسئلة: لماذا أسلمنا أنفسنا للذبح؟ لم نعد نقرأ في كتبنا سوى اللغو!” ص 91 . وقد تخللت الرواية تعابير كثيرة مشابهة لهذه مبثوثة في صفحات كثيرة من الرواية  تعبر عن مدى الشعور بالخيبة والخذلان وخيبة الأمل.

وتشمل خيبة الأمل بقية أفراد الأسرة فيقول خالد باعتباره وارث نضال أبيه “كان الحلم أكبر من طاقتنا، مشيْنا إلى أبعد مما ينبغي” ص 44. لقد رسم العتابي لوحة شائكة بانورامية لفترة تاريخية محددة بملابساتها وأنطق ساكني العطراني برؤيتهم لها وأحكامهم عنها، وجعل القارئ مشاركا في هموم منازل العطراني؛ في موضع التساؤل عن تلك الفترة والتعاطف مع محنة ومعاناة أسرة محمد الخلف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*” منازل العطراني” لجمال العتابي. إصدار الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. بغداد  ط1 2023.  .

عرض مقالات: