اخر الاخبار

قبل 45 يوما لم يتوقع أحد في بريطانيا، أن ليز تراس ستغادر بهذه السرعة، ولكن تخبط النخب الحاكمة في لندن جعل ذلك ممكنا.

يترافق استمرار الاضطراب في المشهد السياسي في البلاد، مع تسابق سريع للمحافظين لإيجاد البديل، يقابله حلم متعثر لحزب العمال المعارض في العودة للسلطة. وإذ كانت بدائل المحافظين لا جديد فيها، فان حال المعارضة أكثر سوءا.

لجنة 1922

وفق قواعد الحياة الداخلية لحزب المحافظين التي وضعتها “ لجنة 1922 “ الشهيرة يحتاج كل مرشح توقيع 100 نائب من كتلة المحافظين لدخول السباق الانتخابي. وفق رئيس اللجنة غراهام برادي،: “إنها عقبة كبيرة، لكن يجب أن تكون قابلة للتنفيذ بالنسبة للمرشحين الذين لديهم فرصة معقولة للنجاح”. يجب تقديم الترشيحات بحلول الساعة 2 ظهرًا يوم الاثنين المقبل. إذا نجح ثلاثة مرشحين، فإن كتلة حزب المحافظين ستصوت لاختيار أحدهم. وإذا كانت هناك منافسة بين أكثر من مرشح، سيحسم الأمر عبر استفتاء حزبي عام، عبر الانترنيت، لأعضاء الحزب البالغ عددهم 160 ألف، لاختيار رئيس الحزب والوزراء المقبل.

لقد طورت اللجنة هذه الآلية، لكي تقوم الكتلة النيابية عمليا بتوجيه دفة التصويت الحزبي، لكي يتم تجاوز الاشكال الذي واجه رئيسة الوزراء المستقيلة، التي تمتعت بدعم أكثرية القاعدة الحزبية، لكن دعمها من قبل كتلة الحزب النيابية كان ضعيفا، لان أكثرية الكتلة كانت تفضل منافسها آنذاك ريشي سوناك.

المرشحون لخلافة تروس حتى الآن هم ريشي سوناك وبيني موردونت وبوريس جونسون. لقد حصل كل منهم بالفعل على دعم عشرات المتابعين. ويعتقد المراقبون وزملاء جونسون في الحزب، أن لديه فرصة جيدة لجمع توقيع 100 من أعضاء الكتلة النيابية.

بوريس جونسون

بعد ساعات من إعلان رئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس استقالتها، ذكرت وسائل الإعلام البريطانية أن سلفها بوريس جونسون عاد بشكل مفاجئ من إجازة مميزة في منطقة البحر الكاريبي إلى منزله. يبدو أنه يشعر بفرصة فريدة. بعد ستة أسابيع فقط من اضطراره للاستقالة. لقد جاء جونسون في المرة الأولى منقذًا لحزب المحافظين، وإذا عاد ثانية سيكون حدثا غير مسبوق في تاريخ بريطانيا السياسي. ولحد الآن لم يعلق جونسون بعد على أي ترشيح محتمل، لكن متابعين يعتبرونه أحد أكثر المرشحين الواعدين، لأنه سيجنب المحافظين الانتظار الطويل، ويبعد شبح الانتخابات المبكرة الذي يؤرقهم.  ويتم بذل جهود حثيثة لحسم خيارات الحزب الحاكم قبل 28 تشرين الأول الحالي على أبعد تقدير.

حملة “إعادة بوريس” تجري على قدم وساق. وكان وزير مجلس الوزراء جاكوب ريس موغ أول الذين تحدثوا الجمعة لصالح جونسون، تلاه بعد ذلك بقليل وزير الدفاع بن والاس. ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي شعار “بوريس أو الإفلاس”. رصيد جونسون هو النصر الساحق في الانتخابات، الذي حققه قبل قرابة عامين.  وربما سيكون وعده للحزب في الأيام القادمة: معي ستفوزون في الانتخابات.

لكن الأمر ليس بهذه السهولة. كما كتب أستاذ العلوم السياسية البريطاني روب فورد، فإن فوز جونسون في انتخابات 2019، استند الى حملة كراهية ضد زعيم حزب العمال اليساري جيمي كوربين، باعتباره “ساما”، وأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت القضية الحاسمة.  وكلا السببين فقد صلاحيته الان. لقد اتسم عهد جونسون “من البداية إلى النهاية بالفوضى والفضائح والأخطاء الذاتية الفادحة والمنعطفات الصارخة”. ويبدو أن أنصار جونسون قد نسوا ذلك، لكن الناخبين لم ينسوه، كما يقول فورد. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال التحقيق جارياً حول ما إذا كان جونسون قد خرق وثيقة السلوك الوزاري، التي تحدد معايير سلوك الوزراء، وكيفية أداء واجباتهم.

وأخيرًا، هل سيكون جونسون قادرًا على توحيد المحافظين المنقسمين بشدة. على الأقل منذ التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، أصبح الحزب غارقًا أكثر فأكثر في المشاحنات، والكراهية بين مختلف تياراته. على الرغم من فوزه في انتخابات 2019، فإن الحزب يعيش أزمة دائمة.

صعود الشعبوية اليمينية، المناورات المناهضة للديمقراطية في عهد جونسون، الهوس اليميني الذي رافق الخروج من الاتحاد الأوربي. والتحول نحو سياسة اقتصادية اكثر يمينية في عهد ليز تراس، الذي فشل بشكل مذهل، كلها مؤشرات تراجع. إذا وجد بوريس جونسون دعمًا من زملائه في الحزب وعاد إلى السلطة، فسيكون ذلك مؤشرا إضافيا على شحة بدائل المحافظين.

يعرف العديد من نواب حزب المحافظين جيدًا الشكل الذي سيبدو عليه التفويض الجديد لجونسون، ليس في الداخل البريطاني فقط، بل على المسرح العالمي، حيث أصبحت بريطانيا أخيرًا أضحوكة. قال النائب المخضرم روغر غيل إنه سيغادر، إذا أصبح جونسون رئيساً للوزراء مرة أخرى. يشعر المحافظون الآخرون بالفزع من هذه العودة. قال عضو البرلمان جيسي نورمان: “ستكون كارثة مطلقة”.

حزب العمال

فوضى المحافظين دفعت حزب العمال للمطالبة بانتخابات مبكرة، هذه المطالبة يرفضها المحافظون، الذين يتابعون صعود منافسهم في استطلاعات الراي، وبالمقابل، فان الصراعات الداخلية في حزب العمال، واقصاء جناحه اليساري، وضعف جاذبية قادة اليمين الذين يهيمنون على قرار الحزب، والعلاقة السيئة، وفي أحسن الأحوال المرتبكة مع النقابات العمالية تجعل الحلم بالعودة للسلطة حلما مؤجلا.

عرض مقالات: