اخر الاخبار

العربي الجديد

جاءت تصريحات صادرة من الحكومة المحلية في محافظة الديوانية جنوبي العراق، بشأن استيلاء فصيل مسلح على عقد ضخم بقيمة تتجاوز 240 مليون دولار، تأكيداً لاستمرار هيمنة المكاتب الاقتصادية للفصائل المسلحة والأحزاب السياسية على غالبية عقود البنى التحتية والإنشاءات عبر شركات تملكها أو شركات تدعمها مقابل الحصول على نسب مالية ضخمة منها.

ورغم تعهدات حكومية سابقة، بإعادة النظر في تصنيف الشركات التي تتولى مشاريع التطوير والإعمار في العراق، إلا أن المشكلة ما زالت تتفاقم في مختلف مدن البلاد، مع غياب معايير الجودة والخبرة وإعلاء مصالح الجهات الأكثر نفوذاً في الحصول على تلك العقود.

وتؤكد المعلومات التي كشف عنها مجلس محافظة الديوانية نفوذ وهيمنة المكاتب الاقتصادية على المشاريع والأموال والموازنات في محافظة الديوانية (القادسية) وباقي محافظات جنوبي العراق، بعد أن أكدت تقارير سابقة سيطرة ذات المكاتب التابعة للفصائل والأحزاب على المشاريع والأنشطة الاقتصادية في محافظات وسط وغرب البلاد، ومنها نينوى وصلاح الدين والأنبار.

ولا يقتصر الأمر على هذا، فالمشاريع والموازنات التابعة للمؤسسات الحكومية والوزارات تخضع جميعها منذ العام 2003 لسيطرة الأحزاب السياسية الكبيرة والأذرع العسكرية التي تقف وراءها، لكن هذا الاستحواذ تفاقم خلال السنوات الأخيرة. والمكاتب الاقتصادية هي أذرع اعتادت الأحزاب العراقية المتنفّذة ومليشياتٌ تشكيلَها بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، للاستفادة من أموال الوزارات والمؤسسات التي تحصل عليها هذه الأحزاب.

في الأثناء كشف مصدر في هيئة النزاهة الاتحادية عن معلومات تفيد بنفوذ المكاتب الاقتصادية للفصائل المسلحة والأحزاب السياسية في جميع الموارد الاقتصادية في محافظات جنوبي العراق سواء كانت حكومية أو خاصة، مبينًا أن مئات الشكاوى قدمت بهذا الخصوص. وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لـ "العربي الجديد" إن "المعلومات التي ترد إلى هيئة النزاهة تؤكد تورط الجهات الحزبية والفصائل المسلحة بعمليات الفساد والسرقة والابتزاز من أجل الحصول على الأموال والمشاريع والعقود".

ولفت إلى أن سيطرة ونفوذ الجهات الحزبية والمسلحة عبر مكاتبها الاقتصادية وصلت لجميع مؤسسات الدولة ولاسيما الشركات النفطية والموانئ والمنافذ الحدودية، إلى جانب مؤسسات الدفاع والداخلية والكهرباء والصحة، كما وصلت إلى الموارد الخاصة، حيث باتت تفرض نسبًا مالية على الأنشطة الاقتصادية الخاصة التي تخرج عن سيطرتها.

وأشار إلى أن أنشطة المكاتب الاقتصادية في المحافظات الجنوبية تنفذ عبر جهات أو شخصيات محلية لا ترتبط بشكل رسمي بالأحزاب والفصائل، ليتم إبعاد الشبهات عنها في عمليات الاستحواذ على الموارد الاقتصادية والمالية. وعن سبب عدم تحرك هيئة النزاهة أو الجهات الحكومية الأخرى لضبط ومحاسبة تلك الجهات.

وأكد المصدر أن مؤسسات الدولة العليا عاجزة عن فتح ملفات الفساد وأنشطة المكاتب الاقتصادية للأحزاب والمليشيات، وبين أن الملفات التي يسمح بمتابعتها هي الملفات الصغيرة التي لا يثبت فيها تورط جهات سياسية ومسلحة متنفذة في المحافظات أو في العاصمة بغداد. من جهته يرى الباحث في الشأن العراقي حسين العامل أن أنشطة المكاتب الاقتصادية للأحزاب والفصائل ليست بالجديدة وإنما هي امتداد لفساد ينخر الطبقة السياسية منذ العام 2003 ولغاية اليوم.

وقال العامل في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة التي اقتحمت العمل السياسي باتت تجند الوزارات والمؤسسات التابعة لها لكسب مغانم السلطة"، مبينًا أن الفساد وسرقة الأموال في العراق تجاوز مرحلة المليارات ووصل إلى مرحلة التريليونات وذلك بسبب غياب الردع والعقوبات القانونية بحق تلك الجهات.

وأوضح أن أنشطة المكاتب الاقتصادية لا تقف عند حدود محافظة معينة، بل تشمل جميع المحافظات العراقية لتكون مصدرًا لتمويل الأحزاب والفصائل، ويظهر ذلك بوضوح من خلال الثراء الفاحش لتلك الأحزاب وقياداتها. واستبعد العامل إمكانية الخلاص من نفوذ وأنشطة المكاتب الاقتصادية بسبب عجز مؤسسات الدولة الحكومية وهيئة النزاهة والقضاء عن ملاحقة كبار السراق والفاسدين، مشيرًا إلى أن الشارع العراقي تحرك عبر تظاهرات تشرين لإنهاء تلك السرقات والفساد التي تورط بها كبار المسؤولين في الدولة والأحزاب والنواب والفصائل المسلحة، ولكن تمت مواجهة إرادة الجماهير بالقتل والاعتقال والاستهداف.

عرض مقالات: