السيّدات والسادة أعضاء مجلس النواب العراقي المحترمون.
يسعى مجلس النواب العراقي، خلال دورته الحالية وبعد مناقشات سريعة جرت في لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام، النيابية، إلى إقرار مشروع قانون “حق الحصول على المعلومة” الذي قدمته الحكومة سابقا، من دون إشراك حقيقي للمنظمات غير الحكومية المعنية والمجتمع الصحفي، ما يهدد في حال إقراره بفقدان أهم مكسب تحقق للعراقيين بعد العام 2003 وهو حرية التعبير.
المشروع الذي جرت القراءة الثانية له في 3 آب/ أغسطس الماضي، بشكل مفاجئ ومن دون أخذ الملاحظات العديدة التي أبدتها منظمات مدنية وصحفيون ومختصون، والتي أقرّت تعارض المشروع مع روح الدستور العراقي والمعايير الدولية للحق في الحصول على المعلومة وحرية التعبير، والتي وقّع عليها العراق، ومن ضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بل إن بعض بنوده تقيّد وبشكل غريب حق الحصول على المعلومات في ملفات عديدة وبما يتعارض مع المصلحة العامة.
ردا على ذلك، نحن المنظمات غير الحكومية والحقوقية الوطنية والدولية الناشطة في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، ننبه إلى خطورة تمرير المشروع بصيغته الحالية دون النظر بجدية للتوصيات المقدمة من قبل المنظمات المحلية والدولية المتخصصة في هذا المجال، ودون إخضاع بنوده إلى استشارات دقيقة وواسعة، رغم ان المشروع يرتبط بمصالح العراقيين جميعا، وليس المجتمع المدني والإعلامي فقط.
وإننا إذ نعبّر عن رفضنا لمحاولات تمرير المشروع مثلما تم اقتراحه من قبل الحكومة رغم تضمنه مواد خطيرة تمثل تقييدا يمس بجوهر الحق في الحصول على المعلومة، وتصل إلى حد التناقض مع أصل هذا الحق ومع الهدف الذي ينبغي أن يشرع من أجله، ننبه إلى أن المادتين 11 و12 (المتعلقتين بالمعلومات المستثناة من الحصول عليها) والمادة 13 (المتعلقة بالمعلومات الواجب نشرها استباقيا)، تحتاج إلى مراجعة كاملة ودقيقة، فالمادة 11 بصيغتها المقدمة تفتقد إلى التوازن الدقيق بين حق عامة الشعب في المعرفة والوصول إلى المعلومات، والحاجة إلى حماية المصالح الفردية والعامة الهامة الأخرى.
وتستثني المادة 11 ”المعلومات ذات الطبيعة التجارية أو الصناعية أو المالية أو الاقتصادية والمعلومات عن العطاءات“، والاتصالات والمراسلات الداخلية، و”مداولات مجلس الوزراء والمجالس الوزارية والمداولات الخاصة بعمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة“، وغيرها الكثير، من حق الوصول، دون بيان غاية مشروعة محددة تمنع الحصول عليها.
كما نسجل استغرابنا من استثناء القانون، لقائمة طويلة من المعلومات، في تضارب كلي مع المعايير الدولية، التي تشترط أن تستند الاستثناءات فقط على المحتوى الذي يمكن أن يضر بمصلحة عامة مشروعة، وليس على نوع الوثيقة أو المعلومة.
ونرفض بشكل قاطع، منح مدراء الدوائر والمسؤولين صلاحيات تقديرية واسعة بتصنيف المعلومات على أنها سرية أو خاضعة للحجب، كما وردت في مسودة المشروع، دون معايير واضحة لذلك، فضلاً عن تلك التي تسمح لمؤسسات الدولة بحجب عقود المناقصات والمزايدات، والتي تعد تكريسا للفساد المستشري أصلا في دوائر الدولة، ونكسة خطيرة في عملية تصحيح مسار الديمقراطية، كما أنها تشجع نهجا وثقافة سلطوية قائمة على السرية والحجب، وضعف الشفافية وعدم الانفتاح وغياب المساءلة.
كما نؤشر تضمين المشروع لاستحداث دائرة المعلومات ضمن المفوضية العليا لحقوق الإنسان، باقتصار التنظيم القانوني الوارد في المشروع على ايراد موظف واحد بينما الملاك الإداري لاي تنظيم بمستوى دائرة ينبغي أن يبين اقسامها وشعبها وصلاحياتها، رغم أن الدائرة ستكون مسؤولة عن تلقي الشكاوى المتعلقة بعدم تطبيق أحكام القانون، والتحقق منها، ومتابعة معالجتها. وفي ظل غياب ضمانات الاستقلالية والموارد الكافية لهذه الدائرة، فإن ذلك يتعارض تماما مع المعايير الدولية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسهم في تعزيز حق الحصول على المعلومات أو في ضمان تطبيق القانون على أرض الواقع.
لقد تابعنا بقلق، مجريات عرض تقرير لجنة الثقافة والإعلام ومناقشة القراءة الثانية لمشروع القانون ضمن جلسة مجلس النواب رقم (4) المنعقدة في 3 اب/ أغسطس 2024، لأن التقرير الذي تمت قراءته لم يخلُ من معلومات مغلوطة تم عرضها على النواب، ومشاركتها مع الرأي العام عبر نشر محضر الجلسة، إذ أشارت إلى أن الجلسة التي عقدتها اللجنة ودعت لها منظمات غير حكومية في 30 نيسان/ أبريل 2024 (وهي الجلسة الوحيدة) شملت مناقشة مشروع القانون “بشكل مفصل” وأن الجهة المنظمة اطلعت على آراء المنظمات المدعوة، وهذا أمر مجانب تماما للحقيقة، فتلك الجلسة جرت دون تخطيط دقيق وتنسيق مع المنظمات المعنية والصحفيين المتخصصين، ولم يسمح سوى لعدد محدد جدا من المنظمات بإبداء آرائها، ولم تستلم اللجنة أي مقترحات تعديلات، مكتوبة. واكتفى تقرير الجلسة التي عقدت بالتوصية بعقد جلسات تخصصية للجهات أصحاب المصلحة كالإعلام والمجتمع المدني، نظرا لضيق الوقت، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
كما أن الورشة الثانية المنوه عنها في معرض قراءة التقرير، والتي عقدت بدعم من صندوق الأمم المتحدة للتنمية في شهر تموز/ يوليو 2024 تحت عنوان “مشروع التحكيم ومكافحة الفساد” لم تكن فعلياً مخصصة لمناقشة تعديلات مشروع القانون، ولم يحضرها سوى أعضاء مجلس النواب ممثلين عن ثلاث لجان مختلفة.
ونشير هنا، إلى أن عملية قراءة التقرير نفسها لم تكن خالية من مخالفات عديدة للنظام الداخلي لمجلس النواب، فقد تم إدراج قراءة التقرير على جدول أعمال مجلس النواب بطريقة مبهمة، فجدول أعمال المجلس لهذه الجلسة الذي أعلن عنه يوم الخميس، وتمت مشاركته مع وسائل الإعلام، لم يتضمن تقديم تقرير ومناقشة مشروع القانون، وهذا مؤشر واضح علي إضافة تلك الفقرة في يوم انعقاد الجلسة، مما يخالف الإجراءات البرلمانية المعتمدة، كما لم يتضمن التقرير، أية إشارة إلى المواد التي سيجري تعديلها، كما كان ينبغي، حيث تشير الإجراءات المتبعة إلى أن قراءة التقرير الخاص بمشروع القانون تتم بعد استلام المقترحات التحريرية، ثم اجراء المناقشة عليه.
نحن المنظمات الموقعة أدناه، نعبر كذلك، عن استيائنا الشديد إزاء مداخلات السيدات والسادة أعضاء مجلس النواب في جلسة 3 آب/ اغسطس، والتي جاءت في أغلبها مناهضة للحق الدستوري في الحصول على المعلومة، مما يعكس فهما خاطئا لهذا الحق ولفكرة سن إطار قانوني يكرسه، لدى أغلب النواب. ويدل ذلك في الوقت نفسه على أن مشروع القانون لم يحظ بالوقت الكافي للنقاش وفهم سياق وأهداف المصادقة عليه بشكل شامل، خاصة من قبل أعضاء لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام المكلفة بمراجعة مشروع القانون ومناقشته بشكل تشاركي وإعداد تقرير لهذا الغرض.
وما أثار استغرابنا أيضاً التصريحات المعادية للمجتمع المدني وغير الدستورية، والتي وصلت إلى حد المطالبة بالنص في القانون على عدم السماح لمنظمات المجتمع المدني بطلب المعلومات والوصول إليها، ما يشير إلى تجاهل للدور الأساسي الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في تطوير المجتمع وتنميته بما فيه التوعية بحق الحصول على المعلومة والتعريف بالقانون المتعلق به، سواء خلال مسار المصادقة عليه أو بعدها، الأمر الذي يعد أساسياً في جهود تكريس ذلك الحق، الذي بات بديهياً في دول العالم المتقدم، بهدف تحقيق المشاركة السياسية للمجتمع ومنع الفساد وتحقيق النزاهة والعدالة في مؤسسات الدولة.
ونظراً لخطورة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة بصيغة الحالية، ولأنه لم يحظ بالمناقشة بما يكفي، ولم يتم إشراك أصحاب المصلحة، بما في ذلك المنظمات الحقوقية وممثلي قطاع الإعلام رغم الوعود التي تم تقديمها في هذا الاتجاه، نتقدم بالاقتراحات والتوصيات التالية:
- إعادة النظر كليا في مشروع قانون الحصول على المعلومة، وتعديل مواده بما يتوافق مع مبادئ الدستور العراقي والتزامات العراق الدولية المنطبقة.
- تنظيم استشارات واسعة بخصوص مشروع القانون يشارك فيها جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني وممثلو قطاع الإعلام.
- احترام الإجراءات البرلمانية المعتمدة، في كامل مراحل مناقشة مشروع القانون إلى حين المصادقة عليه من خلال مسار تشاركي ومنفتح وشفاف.
ختاماً، فإننا إذ نؤكد على تحميل أعضاء مجلس النواب مسؤولياتهم تجاه ضمان عدم حصول أي تعارض بين مواد القانون والحقوق والحريات التي كفلها الدستور العراقي، وإيفاء العراق بالتزاماته الدولية وفقا للاتفاقيات والصكوك الدولية التي وقع عليها، نؤكد أيضاً على حق المنظمات غير الحكومية في الطعن بدستورية القانون أمام المحكمة الاتحادية، في حال قرر البرلمان المضي في المصادقة عليه بصيغته الحالية، والاحتجاج عليه بكل الوسائل الممكنة.